وقوله تعالى : «والقمر» قسم بالقمر.
وقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) معطوفان على القمر ، ومقسم بهما معه .. فهى ثلاثة أقسام ، تجمع : القمر ، والليل ، والصبح.
وقد جاء القسم بالقمر مطلقا ، دون ذكر حال من أحواله ، أو صفة من صفاته .. إنه القمر ، والقمر لا يسمى قمرا إلا مع تمامه وكماله ..
وجاء القسم بالليل مقيدا بظرف خاص ، وهو إدباره ، وتولّيه .. على حين جاء القسم بالصبح حال إسفاره ، وظهوره ..
وقد فرّق النظم القرآنى المعجز بين الحالين ، حال إدبار الليل ، وحال إسفار الصبح .. إنها لحظة واحدة ، يلتقى عندها إدبار الليل ، وإسفار الصبح ، وقد وزّع النظم القرآنى هذه اللحظة ، فجعل بعضا منها يذهب مع الليل الذاهب ، وبعضا منها ، يتراءى خلف الصبح المقبل .. ولهذا جاء لفظ «إذ» مع إدبار الليل (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) .. وهذا يعنى الزمن الماضي من تلك اللحظة .. فلقد أدبر الليل ، ومضى ، وذهب سلطانه الذي كان قائما على تلك الرقعة المبسوط عليها من هذا العالم .. أما الصبح ، فهو وليد جديد ، يخطو خطواته نحو المستقبل ، فهو زمن ممتدّ ، ولهذا جاء الظرف المتلبس به بلفظ «إذا» التي تدل على الزمن المستقبل .. (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)!!
ولعل سائلا يسأل هنا :
وماذا وراء الجمع بين هذه الأقسام الثلاثة : القمر ، والليل المدبر ، والصبح المسفر؟ إن القرآن الكريم لا يجمع بين هذه العوالم إلّا وهو يشير من هذا الجمع إلى ملحظ ، فيه عبرة ، وعظة ـ فماذا يكون هذا الملحظ؟!