عجيب ، لا بد أن يكون قد تلقاه عن خبير بالسحر وفنونه ، واقتفى أثره فيه ..
(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) ..
ثم لقد ازداد الشقىّ العنيد جرأة على الحقّ ، فبعد أن كان يلقاه خائفا لا يكاد يواجهه ، فيقول عن القرآن : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) رافعا قدره عن أن يكون من كلام البشر ـ إذا هو بعد هذه القولة الآثمة ، يخطو خطوة أخرى نحو الضلال ، فيقول : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ!) .. إنه مجرد كلام ، لا يصل إلى أن يكون سحرا! وهكذا الحق بسطوته وقوته ، يكشف عن جبن أعدائه ، حتى وهم ـ فى ظاهر الأمر ـ غالبون منتصرون ..
هذا ، ومن الملاحظ أن العطف بين أحوال هذا الشقي الأثيم ، قد جاء بالحرف «ثمّ» الذي يفيد التراخي ..
(ثُمَّ نَظَرَ .. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ .. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ).
ففى كل حال من تلك الأحوال ، عاش هذا الشقي زمنا ، مقدّرا ، ومفكرا ، ثم إنه ما إن انتهى من هذا الصراع الذي يدور فى كيانه ، وما إن أمسك بالكلمة التي يطلع بها على القوم ، حتى بادر بإلقائها إليهم قبل أن تفلت منه ، ويغلبه عليها ما يدور فى خاطره من كلام لا يقبلونه منه .. ولهذا جاء العطف بالفاء التي تفيد التعقيب دون تراخ ، أو إمهال .. (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) وكما أسرع الشقىّ بكلمة الكفر يجهر بها ، قبل أن تفلت منه ـ كذلك أسرع إليه العقاب الذي يستحقه بسبب هذه القولة الفاجرة التي صدرت عنه .. فيجىء فى أعقابها قوله تعالى :
* (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ).