ولقد استيقظ «المزمل» ورفع الغطاء عنه ، وقام الليل إلا قليلا ، يرتل ما نزل عليه من آيات ربه ، ويعيش معها بوجوده كله ، حتى يتمثل هذه الآيات حرفا حرفا ، وكلمة كلمة ، وحتى يكون هو نفسه على مستوى هذه الآيات ، كمالا ، وروعة ، وجلالا .. إنه الوعاء الحامل لآيات الله إلى الناس ، وإن للوعاء وزنه ، وقدره ، وأثره ، فى المادة الحامل لها ، وفيما يرى الناظرون إليها منه ، وما يقع في نفوسهم منها ..
وإذ قد استيقظ «المزمل» وأخذ أهبته المهمة الجديدة التي كلف بها ، وتزود لها بالزاد الذي يعينه عليها ، ولم يبق إلا أن يؤذن له ببدء المسيرة إلى حيث يلتقى بالناس ، ويؤذّن فيهم برسالة الله المرسل بها إليهم ـ إذ يصل الأمر إلى هذا الحدّ ، فها هو ذا رسول الوحى ، يطرق الباب على النبي ، ثم يدخل عليه ، فيجده متدثرا في ثيابه ، قائما في محراب ذكره لله ، وترتيله آيات الله ، فيهتف به بقوله تعالى :
* (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ)
إنها دعوة إلى قيام غير القيام الأول الذي دعى إليه في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) وإن المزمل غير المدثر .. فالمزمل نائم ، متعب ، مجهد .. والمدثر ، متلفف فى ثيابه ، فى حال قيام ، أو قعود ، وإن لم يكن مشمرا للعمل .. وأصل المدثر : المتدثر ، فأدغمت التاء فى الدال ، وكذلك الأصل الاشتقاقى للمزمل.
وإن المدثر ليقوم الآن لينذر ، ويبلغ رسالة ربه إلى الناس ، وليخلع الأردية المتدثر بها ، وليلبس ثوب العمل.
لقد بدأت إذا الرحلة الجديدة .. فليقم النبي ، وليشدّ رحاله ، والله سبحانه وتعالى معه ، يعينه ، ويثبت أقدامه ..
* * *