وثانيها : أن المواجهة بين النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وبين المشركين فى مكة ، كانت مواجهة كلامية لم تخرج إلى حد القتال .. فالدور المكي من الدعوة كان كله حربا من جانب واحد ، هو جانب قريش ، لم يؤذن المسلمين بعد فيه بالقتال ، لأنهم لم يكونوا يملكون فى مكة القدرة على التجمع ، والتحرك ، كما كانوا لا يملكون وسائل القتال وعدده ..
وثالثها : فى قوله تعالى : (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ـ فى هذا إشارة إلى أن هذه الآية نزلت والمسلمون كانوا قد أوشكوا أن يكونوا قوة مقاتلة تلتقى مع المشركين فى ميادين القتال .. وأن هؤلاء الذين كانوا يقومون الليل تأسيا بالنبي ، كانوا يشاركون فى هذه المعارك ، الأمر الذي يجعل من قيام الليل عبئا آخر إلى أعباء الحرب ، فكان التخفيف عن النبي ، وعن المتأسّين به فى قيام الليل ، أمرا مطلوبا فى تلك الحال ـ أي حال التحام المسلمين مع المشركين واليهود فى القتال ، وذلك فى العهد المدني
قوله تعالى : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ـ أي يضبط زمن كل منهما ، فى تكوير أحدهما على الآخر ، فيطول هذا ، ويقصر ذاك .. (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٣ : الطلاق) أي حسابا وتقديرا ..
قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي علم الله سبحانه وتعالى أنكم لن تحصوا أوصاف الثناء عليه سبحانه وتعالى مهما طال قيامكم بالليل .. وهذا ما يشير إليه الرسول الكريم فى قوله ، مناجيا ربّه : «سبحانك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»
وهذا الذي ذهبنا إليه ، هو المعنى الذي نستريح له .. ولم نجد أحدا من المفسرين قد ذهب إلى هذا الرأى ، وإنما كانت آراؤهم كلها تدور حول