وفى هذا التهديد من الله سبحانه وتعالى المشركين ، بعد دعوة النبي بأن يهجرهم هجرا جميلا ، وأن يزايل موقفه من بينهم فى رفق ـ فى هذا إشارة إلى أن يترك النبي الأمر لله ، فهو الذي سيتولى حساب هؤلاء المشركين .. فليدع الأمر لله ، ولا يقطع ما بينه وبين قومه من أواصر النسب والقرابة .. فهم قومه ، وأولى الناس بعطفه ، ومودته ..
وهذا أسلوب من أساليب التهديد ، التي تبدو فى صورة من أمسك بيده سيفا ، أو رمحا ، ثم رفعه فى وجه عدوه ، الذي يحتمى فى ظل صديق أو شفيع ، فهو يقول لهذا الصديق أو الشفيع : ذرنى ، أي اتركني ، وهذا الشقي ، أضربه الضربة القاضية ..!
ومن هذا الأسلوب يبدو أن النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو الدّرع الواقية لهؤلاء الضالين من أن ينزل عليهم غضب الله ، وأن هذا الغضب واقع بهم ، إذا هم غاضبوا النبي ، وحملوه حملا على أن يخلى مكانه فيهم ..
وقد كان! فإنه ما إن بلغ الكتاب أجله لموقف النبي من هؤلاء المشركين ، وخروجه من بينهم مهاجرا ـ حتى تتساقط عليهم سحب العذاب ، فيكون لهم فى بدر يوم ، تقطع فيه رءوس كثيرة من هؤلاء المكذبين أولى النعمة ، ثم يكون لهم فى يوم الفتح ، يوم تذل فيه رقابهم ، وتخضع فيه أعناقهم ، فلا يرتفع لمشرك بعد هذا اليوم رأس ، ولا يشمخ أنف ..!!
وفى قوله تعالى : (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) ـ إشارة إلى أن العذاب الذي يتهدد هؤلاء المشركين ، هو مطلّ عليهم ، لا يلبث إلا قليلا حتى يقع عليهم .. وقد كان!! ويجوز أن يكون المراد بالإمهال القليل ، هو إشارة إلى إعطاء هؤلاء المشركين فرصة يراجعون أنفسهم ، ويرقبون مسيرة الدعوة الإسلامية ، وأثرها فى القلوب والعقول ، فلربما كان لهم من ذلك عبرة وعظة .. وقد كان ..