وهذا الخروج على النص الحرفى ، وإن بدا أنه مما يقتضيه الحال ، حيث ينتقل موسى من حال المخاطب (بفتح الطاء) إلى حال المخاطب (بكسر الطاء) وحيث ينتقل قومه من حال المواجهة له ، إلى حال الغيبة فى نقل ما سمعوا منه ـ هذا ، وإن بدا أنه لازم لمراعاة مقتضى الحال ـ إلا أنه يشير إلى أمور :
أولها : أن كلمات الله التي استمع إليها موسى ، ظلت مرتسمة فى كيانه ، مضمرة فى فؤاده ، وأن ما ينشره على قومه منها إنما هو صورة هذه الكلمات وظلالها ، والأنوار المشعة منها .. أما ما تلقاه محمد من كلمات ربه ، فإنه عرضها كما سمعها ، حرفا حرفا ، وكلمة كلمة .. كما يقول له سبحانه له. (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) (٤٥ : العنكبوت) ..
وذلك أنه ليس المطلوب من كلمات الله إلى موسى أن يقيم منها معجزة متحدّية ، على خلاف ما أوحى الله به إلى محمد من كلماته ، فإنه سبحانه جعل على فمه معجزات متحدية .. وإن المعجزة لا تتم حتى تعرض كما تلقاها من ربه ، دون أن يغير من وضعها ، أو يبدل من صورتها ..
وثانيا : أن ما أوحى الله سبحانه وتعالى به إلى موسى ، يجوز روايته بالمعنى ، دون التقيد بالنص اللفظي ، على خلاف القرآن الكريم ، فإنه لا يجوز روايته أو تلاوته بالمعنى ، كما يجوز ذلك فى الحديث القدسىّ ، الذي يشبه وحي التوراة.
وثالثا : أن القرآن الكريم ، هو الكتاب الذي تأخذ آياته ، وكلماته ، الوصف بأنها آيات الله ، وكلمات الله ، وأن التوراة وغيرها من الكتب السماوية ، تأخذ الوصف بأنها وصايا لله ، أو أوامر لله ، أو شريعة لله ..
وأما تكليم الله سبحانه وتعالى لموسى فهو خاص بموسى وهو أوامر الله سبحانه وتعالى إليه هو ، فى خاصة نفسه .. أما الشريعة التي حملها موسى إلى قومه ،