فالضلال ، والسفه ، والعناد ، طبيعة ، غالبة فى الإنسان ، متمكنة فى بنى آدم ، وإن هذه الآفات ليست أمرا عارضا فى قوم من الأقوام ، أو أمة من الأمم.
ولعل هذا من بعض الأسرار التي جاءت من أجلها سورة نوح ، فى أعقاب سورة «المعارج» التي جاء فيها قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) .. فهذا الإنسان يرى على صفته تلك ، فى آبائه الأولين ، قوم نوح ..
وفى قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) إشارة إلى أن القوم كانوا على مشارف الهاوية التي تهوى بهم إلى الهلاك ، وأن نوحا إنما بعث إليهم لينذرهم بهذا الخطر الذي يتهددهم ، ويوشك أن يشتمل عليهم ..
وفى قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ـ بعد الأمر الذي أمر به من ربه ، دون توان أو تردد ـ فى هذا ما يشير أيضا إلى أن الأمر يقتضى المبادرة بإنذار القوم ، قبل أن تقع بهم الواقعة التي هى وشيكة الوقوع!
وفى كلمات قليلة ، ألقى نوح إلى القوم بهذا الإنذار : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) .. إنه لا وقت للحديث ، والنار تشتمل على القوم ، وتكاد تعلق بهم .. إنها كلمة واحدة : أن اطلبوا وجها للنجاة من هذا البلاء!!
ثم يقدم إليهم نوح بعد هذا التنبيه إلى الخطر ، مركب النجاة ، الذي إن أسرعوا إليه ، ودخلوا فيه ، سلموا من الخطر المحدق بهم .. وهو الإيمان بالله ، والاستقامة على طريق تقواه : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) فإنهم إن آمنوا بالله ، وعبدوه ، واتقوا حرماته ، يدفع عنهم يد الهلاك المطلة عليهم ، ويؤخرهم إلى الأجل المسمى لهم ، حتى يستوفوا أعمارهم ، فلا يبادرهم العذاب ، وهم على طريق الحياة .. (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ..