أما والعذاب هو عذاب جهنم ، فإن المعابير تختلّ والموازين تضطرب ..
وهل ينتظر من الإنسان فى مزدحم هذا الهول أن يعرف ضوابط ومعايير؟ وهل يدع هذا العذاب لإنسان سبيلا الاختيار ، أو فرصة للموازنة؟.
إن أقرب شىء للإنسان فى هذا الموقف ، هو درعه التي يتقى بها لفح العذاب ، ولو كان هذا الشيء عضوا من أعضائه!!
ولكن انظر حين يكون فى الأمر شىء من السعة ، وحين يكون الإنسان خارج دائرة العذاب ، لم يقع فيه بعد ، ولم تغلق عليه أبواب جهنم.
إنه هنا يملك شيئا من الاختيار .. ولهذا فإنه فى ابتداء منطلقه من وجه الخطر ، يتخفف من المهم فالأهم ، ويتخلى عن العزيز فالأعزّ .. إنه لا يقدم فدية ، ولكنه يحلّ نفسه من الروابط التي تربطه بالولد ، والصاحبة ، والأب والأم ، والأخ. تلك الروابط التي تجعل منه ومن هؤلاء الأقربين كيانا واحدا ، أشبه بالجسد وأعضائه ..
فهو إذ يحلّ عقد الروابط بينه وبين هذه الأعضاء ، يبدأ بأبعدها عنه ، فيحلها عقدة عقدة ، حتى ينتهى إلى أقرب عضو إليه ، ولا عضو أقرب منه بعد هذا إلا نفسه ذاتها ..
وشاهد هذا فى القرآن الكريم .. فى قوله تعالى :
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٤ ـ ٣٥ : عبس).
فهنا حركة فرار من خطر داهم .. أو شر مقبل ، أو حيّة مهاجمة ، أو نار علقت بالدار والمتاع ، أو نحو هذا .. وهنا لا يلتفت الإنسان إلا إلى نفسه ، لينجوبها