وهذا ـ والله أعلم ـ مما يحتمله النظم القرآنى ، وإن كان الأولى عندنا أن يكون المراد بالرسول الكريم ، هو رسول الله ، إذ كان الموقف هنا موقف دفاع عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وردّا على اتهام المشركين له بأنه كاهن ، وبأنه شاعر .. فكان المقام يقضى بأن يوضع الرسول بموضعه الصحيح ، وهو أنه رسول كريم ، وأن ما ينطق به ليس من منطق الكهانة ولا الشعر ، وإنما هو منطق مبعوث كريم من ربّ العالمين ، يبلّغ ما أرسل به إلى عباد الله.
وفى وصف الرسول بأنه «كريم» ـ إشارة إلى أنه يقدّم هذا الخير العظيم للناس ، فى سخاء ، ويبذله ، فى غير منّ ، لا يطلب عليه أجرا ..
قوله تعالى :
* (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ .. قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ).
هو نفى لتهمة الشعر التي يلصقها المشركون بالقرآن .. فالرسول ليس بشاعر ، وما ينطق به ليس من باب الشعر ، ولا من واردات الشعراء أبدا .. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) (٦٩ : يس)
وقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) .. أي أنه مع وضوح هذه الحقيقة وضوحا لا يحتاج إلى طول بحث ، ومعاناة نظر ، فإنكم أيها المشركون تتمارون فى هذه الحقيقة ، وترفضون الإيمان بها ، وإن وقع لكم شيء من الإيمان بأن هذا الكلام ليس من أودية الشعر ، فإنه سرعان ما يغلبكم الهوى ، ويطغى عليكم الضلال ، فتركبون الحماقة ، وتردّدون هذا القول الذي يكذبكم به الواقع المحسوس ، إذ كان إيمانكم إيمانا قليلا .. فى كيفه وكمّه ..