الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٧٧ ، ٧٨ : مريم).
وقد اختلف فى شخص هذا الشقي الذي تحدثت عنه هذه الآيات ، بما تمنيه به نفسه من كواذب الأمانى وأباطيلها.
والرأى ـ عندنا ـ أن هذا الحديث لم يقصد به واحد بعينه من هؤلاء المخدوعين بأنفسهم ، والذين جذبتهم أنوار الإسلام إليه ، ثم لم يلبثوا أن ارتدوا على أدبارهم خاسرين .. فكثير من مشركى مكة كان لهم مثل هذا الموقف المتردّد بين الإقبال على الإسلام ، والإدبار عنه ، ثم لم يلبثوا إلا قليلا حتى تحددت مواقفهم ، فمضى بعضهم فى طريقه إلى الإسلام ، ونكص بعضهم على عقبه ، نافرا ، مستكبرا.
قوله تعالى :
(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى).
أي : ألم يعلم هذا المتأمّى على الهدى ، ما فى صحف موسى ، وما فى صحف إبراهيم؟
والمراد بالاستفهام هنا طلب هذا العلم الغائب عنه ، وأنه إذا كان هذا الضال لم يعلم بما فى صحف موسى وإبراهيم ، فليطلب هذا العلم ، مما سنبينه له فى الآيات التالية.
ووصف إبراهيم عليهالسلام ، بأنه وفيّ ، إشارة إلى ما كان منه من الوفاء بالرؤيا التي رأى فيها أنه يذبح ولده ، فعرضه للذبح ، وهمّ بذبحه ، كما يقول سبحانه : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا! إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (١٠٣ ـ ١٠٥ : الصافات) .. فهذا من إبراهيم هو غاية الوفاء ، بما لله سبحانه عليه من طاعة وولاء.