وكل إنسان يبدو له يوم القيامة أنه قد غبن فى حياته الدنيا ، سواء أكان فى المحسنين أم فى المسيئين .. أما المحسن ، فلأنه لم يزدد فى إحسانه ، وهو يرى فى هذا الموقف ـ موقف الحساب والجزاء ـ أن كل ما عمله من أعمال حسنة هو قليل ـ وإن كثر ـ بالنسبة لما يطلبه ، ويتمناه فى هذا الموقف ، الذي يحتاج فيه الإنسان إلى رصيد عظيم من الأعمال الصالحة ، حتى يلحق بالسابقين الذين سبقوا إلى الجنة ، ولم يقفوا موقف الحساب ، بل طاروا إليها طيرانا.
وأما المسيء فإنه يرى أنّه ظلم نفسه ظلما مبينا ، إذ أطلق العنان لشهواته وأهوائه ، وأنه باع نجاته وسلامته بثمن بخس ، لا يعدو أن يكون ساعات من اللهو واللعب.
وهكذا يرى كل إنسان يومئذ ، أنه على حال غير محمودة عنده ، وأن أمورا كثيرة كان يمكن أن يأخذ فيها وضعا آخر غير الوضع الذي أخذه فى الدنيا .. إنه يوم تكثر فيه الحسرات ، وزفرات الندم ، وصرير الأسنان!
قوله تعالى : «ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفّر عنه سيئاته ويدخله جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم».
هو تعقيب على هذا الوصف الذي وصف به يوم القيامة ، بأنه يوم التغابن ، ويراد بهذا التعقيب دفع ما يقع من وهم يجعل من هذا اليوم يوم سوء للناس جميعا ، وأنهم جميعا واقعون تحت مشاعر الغبن ، التي من شأنها أن تملأ النفس حسرة وألما .. فجاء قوله تعالى : «ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار» ـ جاء هذا ، ليقيم نفوس المؤمنين الذين عملوا الصالحات على الرضا ، والحمد ، لما هداهم الله إليه من الإيمان ، ولما وفّقهم إليه من أعمال صالحة ، وأنه لا بأس عليهم من هذه الأعمال السيئة الّتى عملوها إلى جانب الأعمال الصالحة ، الّتى يسوؤهم أن يروها فى يومهم هذا ،