وأما ما جاء فى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) (١٣٧ : النساء) ـ فإنه يشير إلى هذا التردّد بين الإيمان والكفر من بعض النفوس ، التي تكون على طبيعة ليست على الإيمان ، ولا على الكفر ، وإنما هى خليط منهما ، يتنازعها الإيمان مرة ، والكفر مرة ، حتى تستقر على أىّ منهما .. وهؤلاء الذي آمنوا ، ثم كفروا ، ثم آمنوا ، ثم كفروا ، ثم ازدادوا كفرا ـ إنما هم الذين غلب جانب الكفر فيهم جانب الإيمان ، ورجحت فيهم كفته ، فانتهى أمرهم إلى كفر غليظ ، بعد هذه المعاناة ، وتلك التجربة المتعددة .. وأما من ينتهى بهم هذا التردد إلى الإيمان ، فإنهم ينتهون إلى إيمان ثابت راسخ ، كما انتهى المترددون قبلهم إلى كفر غليظ.
وقوله تعالى : (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) أي أنهم بسبب هذا الطبع الذي طبع به على قلوبهم بعد خروج الإيمان منها بعد أن دخلها ـ إنهم بسبب هذا الطبع ، لا يفقهون حقيقة الإيمان بعد هذا ، ولا تنفتح له مغالق قلوبهم ..
قوله تعالى :
* (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ .. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ .. قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
هذه صورة للمنافق تمثل ظاهره ، وباطنه جميعا ..
فالمنافق متجمل فى ظاهره ، مجتهد فى تزويق هذا الظاهر ، وفى طلائه بالألوان الزاهية ، حتى يخدع الناس عن باطنه الذي يعلم هو فساده أكثر مما يعلم الناس منه .. ولهذا فهو يبالغ فى تسوية مظهره ، وفى تجميله حتى يستر بهذا الزيف ما يخفى باطنه ، وحتى يغطّى بهذا البخور الذي يطلقه على هذا العفن الذي يفوح منه ..
فقوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) .. بيان لما تقع عليه العين