الآية» ـ جاء مخزيا اليهود ، ومبطلا ادعاءهم ، بأنهم قد استأثروا بفضل الله ..
ونعم ، إن الله قد ساق إليهم فضلا ، وأنزل إليهم التوراة فيها هدى ونور .. ولكن ليس كلّ من كانت بين يديه نعمة ، مستفيدا منها ، بل إنه كثيرا ما تكون النعمة نقمه حين لا تجد من يحفظها ، ويرعاها حقّ رعايتها .. إنها تكون حينئذ أشبه بالغيث يقع على الأرض السبخة فلا تستجيب له ، ولا تتفاعل معه ، وسرعان ما يفسد ، ويتحول إلى ماء آسن ، ينبث فى أحشائها الهوامّ والديدان ..
وهؤلاء اليهود ، قد حمّلوا التوراة ، وكلّفوا العمل بها ، ولكنهم لم يحسنوا العمل ، بل اختلفوا فيها ، وتأولوها تأويلا فاسدا .. فكان مثلهم فى هذا كمثل الحمار ، يحمل كتبا ، تثقل ظهره ، وتصبح علة ملتصقة به ، دون أن يفيد منها شيئا ..
وفى تشبيه اليهود ـ حملة التوراة ـ بالحمار الذي يحمل أسفارا ، ما يكشف عن طباع هؤلاء القوم ، وعن بلادة حسّهم ، وعن قبولهم الهوان والذلّة ، وأنهم فى هذه الدنيا أشبه بالحمر ، يسخرها الناس للحمل والركوب .. فالحمار من بين حيوانات الركوب جميعا ، أكثرها هوانا على الناس ، وأخسّها مطية للركوب .. لا يتخذه كرام الناس مركبا لهم .. وفى هذا يقول الشاعر :
ولا يقيم على ضيم يراد به |
|
إلّا الأذلّان عير الحىّ والوتد |
هذا الخسف مربوط برمّته |
|
وذا يشجّ فلا يرثى له أحد |
ولا يفترنّ أحد بما يبدو فى ظاهر الأمر من أحوال اليهود ، ومن ظهور بعض العلماء فيهم ، ومن تمكنهم من كثير من المرافق العاملة فى الحياة ؛ فهذا كلّه ثمن للهوان الذي استساغوا طعامه ، تماما كما يزيّن بعض الحمير أحيانا