وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) .. (٣٢ : الجاثية) .. هذا هو المعتقد الغالب على اليهود ، فيما يتصل بالبعث ، وبالحياة الآخرة ، وإن كانت شريعتهم التي جاءهم بها موسى ، تدعو إلى الإيمان بالحياة الآخرة ، وإلى العمل لها ، ولكن القوم يتأولون نصوص الشريعة ، ويلوونها مع أهوائهم ، حتى كانت الحياة الآخرة عندهم أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة.
وقوله تعالى : (يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) بدلا من أن يقال كفروا بالآخرة ، أو كذبوا بها ، للإشارة إلى ما عندهم من علم بالآخرة ، وبما يكون فيها من حساب وجزاء ، وأنه علم نظرىّ ، ميئوس من وقوع المعلوم منه ، وتحققه .. وهذا إعجاز من إعجاز القرآن ، فى تصوير هذا المفهوم الذي يقوم عند اليهود للبعث وللحياة الآخرة .. إنه انتظار لغائب لا يرجى له إياب ، فوقع اليأس من لقائه ..
وفى قوله تعالى : (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) أي أن يأس اليهود من لقاء الآخرة ، هو أشبه بيأس الكفار من أن يلتقوا يوما بموتاهم الذين أودعوهم القبور ..
فاليهود ينظرون إلى الآخرة ، نظرة الكفار إلى الأموات فى القبور .. إن كلّا منهم ينظر إلى شىء .. ولكن هذا الشيء ـ فى زعمهم ـ لن يلتقوا به أبدا .. الآخرة فى زعم اليهود ، والأموات فى زعم الكفار .. وكلا الزعمين باطل ، فاليهود سيلتقون بالآخرة ، وإن كرهوا ، والكفار سيلتقون بموتاهم وإن يئسوا ..
* * *