وفى هذا يقول الله تعالى فيهم : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٨٩ : البقرة)
ويجوز أن يكون المعنى على طلب المؤمنين الحماية من الله سبحانه وتعالى لهم ، من أن يفتنوا فى دينهم ، بما يرميهم به الذين كفروا من مكاره ، وما يسوقون إليهم من أذّى ..
ويجوز كذلك أن يكون المعنى متضمنا الوجهين معا ، وهو ألا يكون المؤمنون فتنة للكافرين ، وألا يكون الكافرون فتنة للمؤمنين .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) (٢٠ : الفرقان)
وفى قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ إشارة إلى قدرة الله وعزّته التي يعزّ بها المؤمنين ، ويحميهم من أذى الكافرين ، حتى لا يفتنوا فى دينهم .. وعزّة الله عزّة قائمة على الحكمة ، فكل ما يصدر عن قوة الله ، وعزته ، هو عن حكمة محكمة ، لا عن هوّى ، وتسلط ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ..
قوله تعالى :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
هو توكيد للدعوة التي دعى إليها المؤمنون ليتأسّوا بإبراهيم والذين معه ، بعد أن تبين لهم موقف إبراهيم ، ومن معه ، من أقوامهم .. فقد دعى المؤمنون أولا إلى التأسى بإبراهيم ومن معه قبل أن يعرفوا الوجه الذي يتأسّون به منهم ، فلما تبيّن لهم هذا الوجه ، وهو موقفهم المجانب لقومهم ، المتبرئ منهم ومن كفرهم ـ حسن أن يدعى المؤمنون بعد هذا دعوة مجدّدة إلى ما دعوا إليه أولا ، حيث عرفوا موضع الأسوة فى إبراهيم ومن معه .. ولهذا جاءت الدعوة