ولهذا جاء قوله تعالى : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً) جامعا بين اليهود جميعا ، فى كل زمان ومكان ، على تلك الصفة التي وصفهم الله سبحانه بها ، وأنهم لا يقاتلون إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر .. كذلك كان سلفهم ، وكذلك يكون خلفهم ..
قوله تعالى : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) ـ إشارة إلى حال اليهود فيما بينهم ، وأنهم أشد الناس شراسة ، وأقساهم قلبا ، وأقدرهم على الفتك ، حيث يقاتل بعضهم بعضا ، ويفتك بعضهم ببعض .. إنهم حينئذ يكونون أشبه بالحيات ينهش بعضها بعضا ، ويفتك بعضها ببعض ، فهى أعلم بمواطن الضعف فى أبناء جنسها ، وهى لهذا أشد جسارة ، وأكثر إقداما من غيرها على هذا نفث السمّ الكامن فيها ..
وقوله تعالى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) .. أي تبدو حال هؤلاء اليهود فى ظاهرها ، أنهم جمع واحد ، ويد واحدة ..
هكذا هم فيما يضمهم من مكان .. أما قلوبهم فهى أشتات موزعة ، تذهب فى أودية مختلفة ، كل قلب منها يذهب فى واد غير الذي يذهب فيه صاحبه .. وهذا يعنى أن كل واحد منهم إنما ينظر إلى نفسه ، وبهتم بسلامتها قبل كل شىء .. لا يعنيه أن يسلم أصحابه أو يعطبوا .. إنهم فى ساعة الخطر أشبه بالغنم يهجم عليها ذئب ، فتتطاير هنا وهناك كما يتطاير الشرر ..
وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) .. أي لا عقل لهم ، ولو عقلوا لعلموا أن السلامة فى اجتماعهم عند الخطر ، وفى لقائهم له كيانا واحدا ، وأن تفرقهم هو الذي يجعل يد الخطر مبسوطة عليهم متمكنة منهم جميعا .. فهم فى هذا الفرار الذي يطلب به كل واحد منهم السلامة لنفسه ، إنما يردون به موارد الهلكة جميعا ..