الخبر يواجه المنافقين الذين لا يقدرون الله حق قدره ، فكان توكيده إشارة إلى ما فى قلوبهم من مرض ، وأن أخبار الله سبحانه تقع من نفوسهم موقع الشك والارتياب.
وهذه الآيات من أنباء الغيب ، التي كشفت الأيام فيما بعد عن تأويلها على الوجه الذي أخبرت به ، والتي سجل بها التاريخ معجزة ناطقة بأن هذا القرآن من لدن عليم خبير ..
فلقد نزلت هذه الآيات عقب إجلاء بنى النضير ، ولم يكن هناك ما يشير إلى أن شيئا ما سيحدث بين النبي وبين من بقي من اليهود فى المدينة ، وأنه إن حدث شىء فلم يكن أحد يتصور الصورة التي سيكون عليها ..
وقد قلنا إن فى قوله تعالى فى أول السورة : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ـ إرهاصا بأن هذا الحشر الذي بدىء به بإخراج بنى النضير ، سيتبعه مثله من الحشر ، لغيرهم من إخوانهم اليهود ..
ولكن ما فى هذه الآيات لم يكن مجرد إرهاص ، وإنما كان عرضا لأحداث تجرى ، وإخبارا مسبّقه بما ستتمخض عنه هذه الأحداث من وقائع محددة ، كأنها قد وقعت فعلا ..
ففى الوقت الذي نزلت فيه هذه الآيات ، كان المنافقون ـ وعلى رأسهم عبد الله بن أبى بن سلول ـ قد مشوا إلى بنى قريظة وغيرهم من يهود المدينة ، وأنذروهم بما يمكن أن يفعل بهم محمد ، كما فعل ببني النضير ، وأعطوهم هذا العهد بأنهم لن يقفوا معهم هذا الموقف الذي وقفوه من بنى النضير ، والذي أخذوا فيه على غرّة ، دون أن تكون هناك فسحة من