وقدّم الإخراج على القتال ، مع أن القتال هو الذي ينبغى أن يكون أولا ، حتى إذا غلبوا على أمرهم أخرجوا ـ وذلك ليكشف عما فى عهد هؤلاء المنافقين من كذب ونفاق .. فهم لو كانوا على ولاء حقا مع إخوانهم هؤلاء ، لحرضوهم على القتال ، ولقالوا لهم : ها نحن أولاء معكم بأسلحتنا إذا وقع بينكم وبين محمدا قتال ..
ولكنهم جاءوا إليهم أولا بالأمر الذي لا يكلفهم شيئا أكثر من مجرد الكلام ، وما أكثر الكلام ، وما أرخصه فى سوق المنافقين!! فبذلوا لهم القول فى سخاء ، وبلا حساب ، قائلين : (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً!!) .. ثم رأوا أن هذا القول الذي ألقوا به إلى أسماع إخوانهم الذين كفروا ، هو مجرد كلمة عزاء ، إذ ماذا يغنى القوم إن أخرجوا من ديارهم وأموالهم أن يخرج معهم المنافقون أو لا يخرجوا؟ وهنا يتنبه المنافقون حين نظروا فى وجه هذا الكلام الذي ألقوا به إلى القوم ، وحين رأوا أن القوم لم يمسكوا بشىء منه ، وأنهم قد أخرجوا من ديارهم ، أو هم على طريق الإخراج من الديار ..
حين رأى المنافقون ذلك ألقوا إليهم بهذه القولة الزائفة المنافقة أيضا : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ!) .. ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان ، وبعد أن فضح كذبهم ونفاقهم بقولهم أول الأمر : (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) ..
ولهذا جاء قوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) تعقيبا على هذه الوعود الكاذبة التي يبذلها المنافقون لإخوانهم من بنى النضير ..
وهو معطوف على محذوف تقديره إن هذا القول يشهد بكذب المنافقين