وأول ما يلفت النظر من أمر الحديد هنا ، هو أنه خصّ بالذكر من بين المعادن كلها ، وهو ليس أكثرها فائدة ، ولا أعظمها نفعا.
ثم إنه مع الاختصاص بهذا الذكر من بين المعادن ، قد ازداد شرفا وعظم قدرا بأن سميت سورة كريمة من سور القرآن الكريم به ..
وإذا كان الأمر كذلك ، فإنه لا بد أن يكون للحديد هنا شأن غير شأنه المعروف ، بمعنى أن ذكره فى مواجهة ذكر بعثة الرسل ، وما يحملون من آيات الله وكلماته ، لا بد أن يكون مقصودا لأكثر من معنى غير المعنى المعروف له ..
والذي وقع لمفهومنا من ذكر الحديد هنا ـ والله أعلم ـ هو أنه يشير إلى ما يحمل الرسل إلى الناس من وعد ، ووعيد ، ومن يد تمتد بالخير والنجاح ، والسلامة لمن يستجيبون لهم ، وينضوون تحت أجنحتهم ، ويد تمتد بالبلاء ، والهلاك لمن يلقونهم بالعناد ، ويرجمونهم بالسفاهات والضلالات ..
فمع كل رسالة كل رسول من رسل الله ، بشريات ومهلكات ، بشريات للمؤمنين ، ومهلكات للمكذبين ، وفى أعقاب كل دعوة من دعوات الرسل حصاد كثير ، بعضه للصون والحفظ ، وبعضه للضياع والانحلال ..
فالناس قبل بعثة الرسول إليهم يتركون لما هم فيه ، من خير وشر ، ومن هدّى وضلال ، فإذا جاءهم رسول من رسل الله ، وبلغهم رسالة ربه ، قامت عليهم الحجة ، وأخذوا بما أنذروا به ، كما يقول سبحانه : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥ : الإسراء).
فآيات الله التي ينزلها للناس على يد رسله هى أشبه بالحديد ، فيه بأس شديد ومنافع للناس .. ولهذا أشير إلى الحديد هنا بقوله تعالى : و (أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) فالحديد هنا هو البأس الذي ينزل مع آيات الله ، وهو الزواجر التي تحلّ بالمكذبين