ما أفسدوا ، كما يقول سبحانه : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) .. (٥٧ : الروم).
ويجوز كذلك ـ والله أعلم ـ أن يكون المعنى ، أنه فى هذا اليوم ، لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، سؤال تعرّف على حاله ، ولا على جنايته التي جناها ، إذ كانت جنايته معلقة برقبته ، يراها أهل الموقف جميعا ، فلا يسأل من سائل : ما حاله فى هذا اليوم؟ إذ كانت سمته الموسوم بها دالة عليه ، ناطقة بالمصير الذي هو صائر إليه ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى فى الآية التالية ..
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
فعلى هذا المعنى الأخير ، تكون هذه الآيات تعليلا لقوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) .. إذ لا فائدة من وراء هذه المساءلة والمراجعة. أما على المعنيين الأول والثاني ، فتكون الآيات مستأنفة ..
والنواصي ، جمع ناصية ، وهى الرأس ..
والمعنى ، أنه إذ يعرف المجرمون بسيماهم ، تتولى زبانية جهنم أمرهم ، فتأخذ بنواصيهم وأقدامهم ، أخذا عزيزا متمكنا ، لا يدع لأحدهم أن يتحرك ، فهو فى هذا الوضع أشبه بحجر ، أو حصاة فى اليد ، فيلقى به حيث يريد القابض عليه ..
وإقامة موازين العدل بين المخلوقات ، وأخذ المسيء بإساءته ، هو من النعم التي تستوجب الحمد والشكر ، من المحسنين والمسيئين على السواء .. إذ لم يؤخذ المحسنون بإساءة من أساءوا ، وإذ كان فى عقاب المسيئين إحسان إليهم بتطهيرهم من هذا الرجس الذي علق بهم ، وتصفية لجوهرهم من هذا الخبث الذي أفسد طبيعتهم.