وقوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) كناية عن رقابة الله سبحانه وتعالى للجن والإنس ، رقابة محكمة ، بحيث لا يفلت أحد منهما من قبضته .. أمّا الله سبحانه وتعالى ، فإنه لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يعوقه أمر عن أمر .. ولكن فى قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) ما يؤكد للجن والإنس أنهما تحت رقابة خاصة ، على غير تلك الرقابة العامة القائمة من الله سبحانه وتعالى على الوجود كله ، إذ هما ـ كما قلنا ـ المخلوقان اللذان يناط بهما التكليف ، ويقعان تحت حكم المساءلة والحساب والثواب ، وإذ كان الله سبحانه لا يحاسب غير هما ـ فيما نعلم ـ فكأن رقابة الله سبحانه وتعالى متجهة كلّها إليهم .. وهذا كله على التمثيل والتشبيه ، وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ..
وهذا فضل من فضل الله تعالى ، على الجن والإنس ، إذ هما من بين المخلوقات على تلك الصفة التي تجعل لهما هذا الامتياز عن المخلوقات جميعها ، والتي تجعلهما فى مقام الحضور بين يدى الله للمساءلة والحساب .. وهذا الحساب ، وتلك المساءلة ـ على أي حال يكونان عليها ، وإلى أية نهاية ينتهيان بمن يحاسب ويسأل ـ دليل على أهلية المحاسب المسئول ، وعلى أنه له إرادة عاملة .. أما من لا يحاسب ولا يسأل ، فلا تكاد تتضح ملامح شخصيته ، ولا تبين له ذاتية ذات شأن وأثر ..
وهذا الوجود على تلك الحال التي عليها الجن والإنس هو ـ كما قلنا ـ نعم جليلة من نعم الله .. فمن يكذب بهذه النعم ، وهى تشكل وجوده ، وتقيم كيانه ، وترفع قدره فى العالمين؟
هذا ، ويلاحظ أن ألف هاء التنبيه قد حذفت من قوله تعالى : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) فى خط المصحف العثماني .. فما حكمة هذا الحذف؟.