الصورة الثالثة : أن يكون ذلك بوساطة رسول من عالم الرّوح ، يرسله الله سبحانه وتعالى ، حاملا آياته وكلماته التي أذن بها له ـ إلى الرسول البشرى ، فيتلقاها النّبى من رسول السماء.
وقد أشرنا فى أول هذه السورة ، عند تفسير قوله تعالى : (حم عسق) .. إلى أن هذه الأحرف المقطعة ، هى صورة من صور الوحى ، وهى الصورة الأولى التي أشار إليها الله سبحانه وتعالى بقوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) فهى ـ أي هذه الأحرف ـ من هذا الوحى الرمزى ، الذي هو سرّ بين الله سبحانه وتعالى وبين رسوله صلوات الله وسلامه عليه ..! وهذا يعنى أن هذه الأحرف معروفة الدّلالة لرسول الله ، وإلا لما كان لوحيها إليه حكمة .. وهذا بدوره يدعونا إلى القول بأن الحروف المقطعة التي بدئت بها بعض السّور القرآنية ـ يجرى عليها هذا المفهوم الذي فهمنا عليه هذه الأحرف المقطعة هنا فى تلك السورة.
والسؤال هنا ، هو :
إذا كانت هذه الأحرف وحيا خاصا من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله الكريم ، لا يعرف دلالتها إلا الرسول ، فلما ذا كانت قرآنا ، يتلى ، ويتعبد به؟ وكيف يتعبد بما لا مفهوم له؟
وقبل أن نجيب على هذا نسأل : أكان الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، يعرف دلالة هذه الحروف؟
والجواب على هذا بالإيجاب ، وذلك من وجهين :
فأولا : فى قوله تعالى فى أول السورة : (حم عسق كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .. وقد عاد اسم الإشارة