أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) ـ يشير ضمنا إلى ما فى بعض النفوس من فساد ، لا تجد معه مساغا لطعم الخير ، ولا اشتهاء له ، وأن ذلك طبيعة غالبة فى الإنسان ، كذلك من طبيعة الإنسان أنه إذا مسته رحمة من عند الله ، وأصابه خير ـ كسعة فى الرزق ، أو نماء فى الثمر ، والولد ـ لبسته الفرحة ، وإن مسه ضر بما قدمت يداه نسى ما ألبسه الله تعالى إياه من نعم ، ولم يعد يذكر لله إلا هذا الضرّ الذي أصابه بما صنعت يداه ..
وفى إفراد الإنسان فى قوله تعالى : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) ـ إشارة إلى كل فرد من أفراد هذا الجنس البشرى ـ فأل هنا للجنس ـ إذ أن كل إنسان أيا كان ـ مؤمنا كان أو كافرا ـ يفرح بالخير إذا أصابه ، ويهشّ له ، وتطيب نفسه به ..
أما عود الضمير جمعا على الإنسان فى قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فذلك لأنه ليس كل إنسان فى حيّز هذا الشرط وجوابه ، فيكفر بالله ، أو يسىء الظن به فى حال الضر ، بل إن الواقعين فى حيز هذا الشرط وجوابه ، هم الذين لا يؤمنون بالله مطلقا ، أو لا يؤمنون به إيمانا وثيقا ، مثل أولئك الذين يعبدون الله على حرف ، كما يقول الله تعالى فيهم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١ : الحج) فكثير من الناس يقفون هذا الموقف من ربهم .. إن أصابهم خير ، رضوا به واطمأنوا إليه ، وإن أصابهم شر بما قدمت أيديهم ، أنكروا من الله ما كانوا يعرفون .. وقليل من الناس ، وهم المؤمنون بالله حقّا ـ لا تختلف حالهم مع الله أبدا .. فهم على إيمان به ، وحمد له ، فى السراء