وعرض رأى كل ذى رأى ، فى صراحة مطلقة ، وحرية كاملة ..
[الشورى فى الإسلام .. منهجا وتطبيقا]
ولا بد هنا من وقفة مع هذا المبدأ العظيم ، الذي قرره الإسلام ، ليكون مادة أولى ، من مواد هذا الدستور السماوي الذي يحكم الجماعة الإسلامية ، ويدين به الفرد والجماعة على السواء .. ذلك هو مبدأ الشورى.
فالشورى شريعة من شرائع الرسالة الإسلامية ، حيث ينعقد بها الإجماع ، الذي هو أصل من أصول التشريع الأربعة ، المعتمدة فى الإسلام ، وهى الكتاب ، والسنة ، والقياس ، والإجماع .. حيث لا يكون الإجماع على أمر إلا بعد تمحيصه وتقليب وجوه الرأى فيه ، وتقديم الحجج والأدلة بين يدى كل رأى ، حتى ينتهى الأمر الذي يجمع عليه بالتقاء آراء ذوى الرأى فيه من المسلمين ، وهم الذين أطلق عليهم أهل الحل والعقد ..
وليس المراد بأهل الحلّ والعقد طبقة خاصة من الناس ، أو طائفة معينة من طوائفهم ، بل هم فى كيان المجتمع الإسلامى كله ، فى كل زمان ومكان ، لا يختص بهم موطن ، ولا يحصرهم زمن .. فحيث كان المسلمون فهم جميعا المجتمع الإسلامى ، وفيهم أهل الحل والعقد .. أي أصحاب الرأى والنظر .. فكل ذى رأى ونظر ، هو من أهل الحل والعقد ، وله أن يأخذ مكانه فى الأمر الذي يعرض للمسلمين ، وأن يدلى برأيه ، وبحجته التي تدعم هذا الرأى ، كما أن له أن ينظر فى رأى غيره ، وأن يقول رأيه فيه ، معدّلا أو مجرّحا .. كل ذلك بالحجة القائمة على الحق والعدل ، لا الهوى وحبّ الغلب ..
والرأى الذي ينتهى إليه المسلمون ، أو أولو الحل والعقد فيهم ، هو ملزم لجماعتهم ، لا يجوز لأحد منهم الخروج عليه .. وليس فى هذا الإلزام جور على ذاتية الفرد ، أو عدوان على حقه فى النظر فى الأمور ، ووزنها بميزان إدراكه