وألا فلتخضع الرقاب ، وتنخفض الجباه أمام هذا الأدب الإسلامى ، ولتخرس الألسنة التي ترمى بالتهم فى وجه هذا الدين الذي جمع الفضائل كلها ، والذي يقود ركب الحضارة فى أعلى مستوياتها ، وأروع مظاهرها .. إنه ليس دين بداوة جافية غليظة ، كما يتخرص المتخرصون ، بل إنه دين المدنية الخالصة من شوائب الزيف ، وطلاء الخداع!!.
قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ـ هو التفات إلى النبي الكريم بهذا العذر الذي يقدمه الله سبحانه وتعالى إلى الرسول العظيم ، عن هذا الجفاء ، وتلك الغلظة ، مما يغلب على أهل البادية ، الذين يجيئون إلى النبي ، فينادونه من وراء الحجرات التي كان يتخذها النبىّ سكنا له مع أهله .. فهؤلاء الأعراب لم يتأدبوا بأدب الإسلام ، بعد ، ولم تظهر عليهم آثاره ، وإنهم لجديرون بأن يقابلوا من النبي بالتسامح ، وأن يعذروا لهذا الجفاء البادي منهم ..
قوله تعالى :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هو إلفات إلى هؤلاء الأعراب ، وتوجيه حكيم رفيق بهم ، إلى هذا الأدب الذي لم يألفوه بينهم ..
وفى قوله تعالى : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ تطمين لهؤلاء الأعراب الذين قد يقع منهم هذا الفعل ، وأنهم فى سعة من رحمة الله ومغفرته ، إذا هم أخذوا بأدب القرآن ، ونزعوا عما غلبتهم عليه طبيعتهم .. كما أنه دعوة إلى النبي الكريم ، أن يغفر ويرحم ، فقد غفر الله ورحم! ..