والسؤال هنا : ماذا يراد بالعلم المطلوب من النبي أن يعلمه ، من أنه لا إله إلا الله؟ وهل كان النبي إلى نزول هذه الآية الكريمة ، لا يعرف هذه الحقيقة؟
إن النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان على التوحيد الخالص لله قبل أن يبعث ، فكيف يراد منه أن يعرف هذه الحقيقة بعد أن بعث؟ وهل الخلاف بينه وبين قومه إلا على عبادة الله وحده ، دون ما يعبدون من آلهة؟.
فما مفهوم هذا الأمر بالعلم؟
الجواب ـ والله أعلم ـ من وجوه :
أولا : أن دعوة النبي من الله سبحانه وتعالى للعلم بأن لا إله إلا الله ـ هو نداء قرب وأنس للنبى من ربه ، يلقى إليه فيه بالوصف الذي ينبغى أن يعلمه من ربه ، فيحققه ، ويؤكده ..
وثانيا : العلم المطلوب من النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ليس هو العلم المجرد ، وإن كان مستيقنا ، وإنما هو العلم الذي يعطى ثمرا حاضرا .. والمراد بدعوة النبي هنا بأن يعلم أن لا إله إلا الله ـ هو ألا يأسى على هؤلاء المشركين والمنافقين ، وألا يحفل بهم وبكثرتهم وقوتهم ، فإن الله الذي لا إله إلا هو ، معينه ، ومؤيده ، وناصره على كل عدو له ، وللدين الذي جاء به .. إنه سبحانه صاحب الأمر ، ومالك الملك ..
وثالثا : إذا كان مطلوبا من النبي أن يذكر ربه ، وأن يجدد له كل حين بهذا الذكر ولاء لربه ، وخضوعا لجلاله وقدرته ـ إذا كان ذلك مطلوبا من النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو الذي تنام عينه ولا ينام قلبه عن ذكر ربه ـ فإن غير النبي أولى بأن يقيم على نفسه من هذا الأمر حارسا يحرسه من أهواء نفسه ، ووساوس شيطانه ، حتى لا يلهو عن ذكر الله ، ولا يقطع الصلة بينه وبين ربه ، فتمتد غربته عن ربّه ساعات ، أو أياما ، أو شهورا ، أو سنين!!.