الهجرة من بلده ، وأهله ، والبيت الحرام الذي تعلّق به قلبه ..
فكثير من القرى ، كانت أشد قوة من هذه القرية ـ مكة ـ أهلكها الله ودمّرها على أهلها ، ولم يكن لهم من ناصر ينصرهم من بأس الله إذ جاءهم .. وهذه القرية قد فعلت فعل القرى الظالمة التي أهلكها الله ، فهل إذا أراد الله هلاك أهلها ـ أهناك من يدفع عنهم ما يرميهم الله سبحانه وتعالى به من إمهلكات؟ ..
وفى إضافة القرية إلى النبىّ ، إشارة إلى أنها قريته ، وهو صاحبها ، وأولى الناس بها ، وإن أخرج منها .. إنها ستفتح عما قريب ذراعيها للنبىّ ، وتستقبله استقبال الأرض الجديب جاءها الغيث ، وإنها لتكون عما قريب البلد الإسلامى الأول ، الذي يوجه النبىّ والمؤمنون معه ، وجوههم إلى البيت الحرام فيه .. وفى الآية إشارة إلى أن هذه القرية لن يحل بها من الدمار والخراب ما حلّ بقرى القوم الظالمين ، ففى إضافتها إلى النبىّ الكريم ، ضمان لها من كل سوء إلى يوم القيامة ، إنها قرية النبىّ ، وستظل قريته إلى يوم الدين ..
قوله تعالى :
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ..
المراد بالاستفهام هنا ، النفي ، بمعنى أنه لا يستوى من كان على بينة من ربه ، وعلى هدى منه ، ومعرفة به ـ لا يستوى من كان هذا شأنه ، ومن زين له سوء عمله ، فرأى القبيح حسنا ، والشر خيرا ، والهدى ضلالا .. إنه لشتان بين هذا ، وذاك .. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٩ : الزمر). (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟) (٣٥ ـ ٣٦ : القلم).