ذلك أن العالم اليوم إذا أظلّه صباح يوم أو مساؤه بغير حرب معلقة أو سافرة ، كانت الحرب الخفية مشبوبة الأوار ، فى صدور تغلى مراجلها بالعداوة والبغضاء ، وفى نفوس تتحرق مشاعرها شهوة إلى إراقة الدماء ، وإزهاق الأرواح ، وإبادة الأمم والشعوب!.
قوله تعالى : (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) ـ الإشارة هنا إلى ما يطالب به المؤمنون من لقاء العدو فى ميدان القتال ، ومن توجيه الضربات القاتلة له ، الفاضية على كل كيد يكيد به للإسلام والمسلمين ، ولو كان فى ذلك تعريض كثير من المؤمنين للاستشهاد فى سبيل الله .. فذلك ابتلاء من الله للمؤمنين ، وإنزالهم هذا المنزل الكريم الذي يلبسون فيه ثوب المجاهدين فى سبيل الله ، الواقفين فيه موقف جنود الله ، المدافعين عن حرماته .. ولو لا هذا الصدام بينهم وبين أهل الكفر والضلال ، لما وقفوا هذا الموقف الكريم ، ولما نالوا هذا الشرف العظيم ..
فهذه الحرب بين المؤمنين والكافرين ، هى لحساب المؤمنين قبل كل شىء ، إذ هى التي أنزلتهم هذه المنزلة العالية ، وأحلّتهم هذا المحل الكريم .. وما كان الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى جنود يجاهدون فى سبيله ، ويقفون فى وجه هؤلاء الكافرين المحادّين له سبحانه .. إذ لو شاء الله سبحانه وتعالى (لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) أي لسلط عليهم آفة مهلكة من الآفات ، أو لما جاء بهم إلى هذه الحياة الدنيا ، أو لهداهم إلى الحق ، وكانوا فى المؤمنين .. ولكن هكذا شاءت مشيئة الله سبحانه .. فجعل الشرّ فى طريق الخير ، وجعل الكافرين فى وجه المؤمنين ، وذلك ليتيح للمؤمنين فرصة العمل لما يرفع منزلتهم عند الله ، ويعلى قدرهم ، وينزلهم منازل رضوانه ..