وكثرت نعمه فيهم .. وإنه على قدر الإحسان يكون الحساب .. وقد خرج بنو إسرائيل من هذا الامتحان بأخسر صفقة ، إذ كشف ذلك منهم عن نفوس خبيثة ، وقلوب مريضة ، وطبائع شرسة ـ فكان أن أخذهم الله بالبأساء والضراء ، وأنزل بهم الضربات القاصمة ، فكانوا عبرة وعظة لمن يكفر بنعم الله ، ويستنبت من إحسانه وفضله أنيابا ومخاب ينهش بها عباد الله .. فلقد لعنهم الله وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت .. وفى هذا يقول الله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١٣ : المائدة) ..
ويقول جل شأنه : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٧٨ : المائدة) ..
ويقول سبحانه فيهم : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ .. إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٧ : الأعراف) ..
وفى قوله تعالى (عَلى عِلْمٍ) إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى ، إنما كان اختياره لبنى إسرائيل ، واختصاصهم بكثرة الأنبياء الذين أرسلوا فيهم ، والآيات التي جاءوهم بها ، وتظاهر النعم عليهم ـ إنما كان ذلك على علم منه سبحانه وتعالى بما سيكون من هؤلاء المناكيد ، من كفر بهذه الآيات ، وتكذيب لرسل الله ، وإعنات لهم ، كما يقول سبحانه وتعالى فيهم : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (٨٧ : البقرة) ..