هى كلمة التوحيد ، وهى الإسلام ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٣٢ : البقرة)
وقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .. أي لعلّ ذرية إبراهيم يرجعون إلى هذا الميراث الذي تركه فيهم ، ويذكرون ما وصّاهم به من الإيمان بالله وحده ، والا يموتوا الا وهم مسلمون ..
وإذ كان مشركو العرب ، من ذرّيّة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فإن لهم ميراثهم من كلمته تلك ، وإنهم إذا كانوا قد وجدوا آباءهم على دين غير دين أبيهم الأكبر إبراهيم ـ فإن أباهم هذا قد ترك فيهم ميراثا خيرا من هذا الميراث ، ودينا أقوم من هذا الدين الذين تلقوه عن آبائهم .. إن آباءهم قد ضيّعوا هذا الميراث ، فليمدّوا هم أيديهم لتلقيه ، والانتفاع به ..
(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ).
(بَلْ) إضراب عن كلام محذوف ، دلّ عليه قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .. وهنا كلام كثير يقتضيه المقام ، فكان سؤال ، وهو : هل رجع عقب إبراهيم إلى كلمته تلك؟ وهل أقاموا دينهم عليها؟ وكان جواب : «كلا» لم يرجعوا إلى كلمته ، ولم يستقيموا على دينه .. ثم كان سؤال ، وهو : «ما ذا فعل الله بهم؟» وكان جواب هو : كلا .. «بل متّعنا هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحقّ ورسول مبين» أي أن الله سبحانه وتعالى قد ترك هؤلاء المشركين كما ترك آباءهم من قبل ، فلم يبعث فيهم رسولا ، فعاشوا كما تشاء لهم أهواؤهم ، مطلقين من كلّ قيد ، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، غير منذرين ، أو مبشّرين .. وقد ظلّوا هكذا ، معفين من التكاليف