فإذا كنا أغويناكم ، ودفعنا بكم إلى الضلال ، فإننا أهل غواية وضلال ، وذلك ليحقّ علينا قول ربنا ، وتنفذ فينا مشيئته ..
وإنهم بهذا ليقولون حقا .. فقد انكشف لهم قضاء الله فيهم ، وما صار إليه أمرهم ..
فالتسليم بالقدر بعد وقوع الأمر .. هو حقّ ، وهو إيمان .. وأما تعليق الأمور على القدر قبل أن يقع المقدور ، فهو ضلال ، ومكر بالله .. كما يقول المشركون : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا) (٣٥ : النحل).
إنهم هنا ضالون زائغون .. إن عليهم أن يطلبوا ما يرونه حقا وخيرا ، وأن يعملوا له .. فإن كان الله قد أراد لهم الخير ، التقت إرادتهم مع إرادة الله ، وتحقق لهم ما أرادوا .. وإن لم يكن الله قد أراد بهم خيرا ، نفذت إرادة الله فيهم ، وبطلت إرادتهم .. وهذا موقف غير موقف من يركب الشرّ بإرادته ، ثم يقول : لو أراد الله بي الخير لفعل .. فهذا حق ، وباطل معا!!
وقد عرضنا لهذه القضية فى مبحث خاص .. من هذا التفسير (١) ، وفى كتابنا : «القضاء والقدر».
قوله تعالى :
* (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ* إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) ..
أي إن هذه الملاحاة التي تدور بين أهل الضلال ، لا تغنى عنهم شيئا ..
__________________
(١) الكتاب الثامن : ص ٦٧٢.