وهنا سؤال : إذا كان المؤمن فى مجتمع المؤمنين مطالبا بأن يدفع السيئة بالحسنة ، حتى ينال درجة الكمال والإحسان .. فهل يتوقع أن يرى ـ فى مجتمع المؤمنين ، من يأتى بالسيئة ابتداء ، فيسىء إلى من لم يسىء إليه؟
والجواب على هذا ، من وجهين :
أولا : أن القرآن الكريم حين دعا إلى دفع السيئة بالحسنة ، إنما خاطب بذلك مؤمنا فى جماعة المسلمين ، وليس فى جماعة المؤمنين ، وذلك فى قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .. فالمسلمون أعمّ من المؤمنين ، وقد يكون الإسلام باللسان دون القلب ، وقد يكون باللسان والقلب وليس معه عمل ، أما الايمان ، فهو قول باللسان ، واستيقان بالقلب ، وتصديق بالعمل .. وعلى هذا يكون كل مؤمن مسلما ، وليس كلّ مسلم مؤمنا ..
فقوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ـ وإن كان دعوة عامة للمسلمين جميعا ، إلّا أنه منظور فيه إلى القمة العالية فيهم ، وهم الذين أشار إليهم قوله تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
وثانيا : أن المؤمنين ليسوا درجة واحدة فى مقام الكمال والإحسان .. ففى بعضهم من يسىء ابتداء ، وفى بعضهم الآخر من يردّ الإساءة بالإساءة ، وفيهم من يردّ الإساءة بالعفو ، وفيهم من يردّ الإساءة بالإحسان ، وهذا أعلى درجات الإيمان ..