قوله تعالى :
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ).
القانت : الخاضع المستجيب لغيره ، طوعا.
والآية تعقيب ، على الآية السابقة ، وأن هذا الوجود في سمائه وأرضه ، هو خاضع لأمر الله ، مستجيب له .. وأن الموتى إذا دعوا من قبورهم لا يملكون إلا أن يستجيبوا لما دعاهم إليه سبحانه وتعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣ : مريم) وفي التعبير عما في السموات والأرض من مخلوقات ، بلفظ «من» التي للعقلاء ـ إشارة إلى أن هذه الموجودات ، محكومة بنظام ، مسيّرة بحكمة وعلم ، حتى لكأن في كل كائن منها عقلا مدبّرا ، وموجّها .. فهى بهذا الاعتبار ، عاقلة ، مدركة! ..
قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وهذه الآية تعقيب كذلك على الآية السابقة ، وهى تقرر أن من له من في السموات والأرض ، هو الذي بدأ الخلق ، وهو الذي يعيده كما بدأه ..
والمراد بالخلق هنا ، المخلوقات كلها .. وهذا يعنى أن الوجود في حركة دائمة ، وفي هدم وبناء مستمرّين .. وأن الوجود في أية لحظة ، هو على غير صورته في اللحظة السابقة أو اللاحقة .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) .. فمعنى الهلاك هنا هو التحول ، والتبدل ، وتغاير الصور والأشكال ، وليس معنى الهلاك الفناء المطلق ... إذ أن المادة لا تفنى ، وإنما تتبدّل وتتحول ، وتأخذ قوالب مختلفة! وكذلك ما جاء في