أزواجا ، خلق سبحانه للنساء من أنفسهن أزواجا .. فكان الوفاق وكان الائتلاف بين المتزاوجين ..
والمراد بقوله سبحانه : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من جنسكم ، وطبيعتكم .. وهذا من شأنه أن يؤلف بين الزوجين ، وأن يجمع بينهما على الأنس ، والمودة .. إذ أن الكائن الحي ، ينجذب بطبيعته إلى ما يشاكله من الأحياء .. فكل جنس يجتمع إلى جنسه ، ويجد الطمأنينة ، والأمن ، والسكينة في جواره. سواء في هذا ، الإنسان ، والطير ، والوحش ، والذر .. حتى النبات .. فإنه يزكو ، وبنضر ، ويزهو في المغارس التي نجمع الجنس منه إلى الجنس.
وفي قوله تعالى : (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) بيان لهذه النعمة ، وكشف عن وجه الحكمة فيها ، وهى أنه باجتماع الإنسان إلى الإنسان ، والذكر إلى الأنثى ، تستريح النفس ، وتسكن المشاعر ، وتطمئن القلوب .. وإنه لا نعمة أجل ولا أعظم من نعمة تفيض على الإنسان الأمن والسكينة.
وفي قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) ـ إشارة إلى أن المودة والرحمة أمران يتولدان من الألفة والسكن ، وأنه لولا السكن والائتلاف ، ما قامت مودة ورحمة .. لهذا جاء النظم القرآنى مفرقا بين الأمرين ، فجعل المشاكلة في الطبيعة البشرية بين الناس ، ذكورا وإناثا ـ خلقا ، أي في أصل الخلقة ، على حين جعل المودة والرحمة ، عرضا من أعراض هذه الطبيعة ، وثمرة من ثمراتها ، فعبر عنها بلفظ «الجعل». (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) .. وهذا إعجاز من إعجاز القرآن ، الذي يتجلى في روعة أسلوبه ، وجلال صدقه .. إذ ليس كل لقاء بين طبيعتين متماثلتين يحدث الرحمة والمودة ، وإن كان من شأنه أن يجمع ، ويقرب .. فإن المودة والرحمة ثمرة احتكاك ، وتجاوب ، بين النفوس ، وجهد مبذول ، ومعاناة معطاة من كل نفس ، وعلى قدر هذا الجهد