ويأنس به القلب ، وتصفو به النفس ، الأمر الذي من شأن العبادات أن تترك آثاره في العابدين.
ـ وفي قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) دعوة إلى القراءة الواعية في صحف الطبيعة ، وما فيها من آيات الخلاق العظيم .. ففى كل نظرة يلقيها الإنسان على أي موقع من مواقع الحياة ، يرى حياة تخرج من موات ، ومواتا يخرج من حياة .. الشيء وضدّه ، يتبادلان موقفهما .. فالميت يأخذ مكان الحىّ ، والحىّ يحل مكان الميت ، حتى لكأنهما كائن واحد لا فرق بينهما ، فى حالى الحياة والموت .. وهذا من عجيب قدرة الله ، وبسط سلطانه على المخلوقات.
وفي قوله تعالى : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) إشارة إلى أن خروج الموتى من القبور ، لا يخرج عن أن يكون صورة من تلك الصور ، التي تخرج فيها الحياة من عالم الموات ... وأقرب مثل لهذا ، الأرض الجرداء الجديب ، ينزل عليها الماء ، فتهتزّ وتربو وتنبت من كل زوج بهيج ..
فهل تعجز قدرة الله أن تنفخ في هذا التراب الهامد ، الذي احتوى أجساد الآدميين ، فإذا هم بشر ينتشرون؟ والله سبحانه وتعالى يقول : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) (١٧ ـ ١٨ : نوح) .. فلم ينكر المنكرون البعث؟ ولم يجادلون فيه؟ إنه ليس عن إنكار لقدرة الله ، فما ينكر عاقل على هذه القدرة أي شىء .. ولكنه هروب من المسئولية ، وفرار من مواجهة الحساب يوم القيامة ، وإخلاء النفس من مشاعر الإيمان بالحياة الآخرة ، لتنطلق كما تشاء ، لاهية عابثة ، تنفق كل شىء في سبيل حظوظها الدنيوية ، لا تستبقى للآخرة شيئا! .. وهكذا يغرر المرء بنفسه ، ويخدع عقله ، ويستجيب لداعى هواه ، فلا يرى من حقائق الأمور إلا ما يتفق وهواه ..