أولهما : أن المشركين قد انعكست فى أنفسهم حقائق الأشياء ، وأنهم إنما ينظرون إلى الأمور ، وهم فى وضع منكوس ، وأنهم لو اعتدلوا فى وضعهم لرأوا هذا المقطع من الصورة على حقيقته .. إنهم يعيشون فى الحرور ويحسبونه الظلّ ، وهم أموات ، ويحسبون أنهم أحياء .. هذا هو وضعهم ، فإذا شكّووا فى هذا فلينظروا فى هذا المقطع من الصورة التي بين أيديهم ، وسيرون أن الحرور أفضل من الظل ، وأن الميت أكثر حياة من الحىّ .. وبهذا ينكشف لهم الوضع المقلوب ، الذي ينظرون فيه إلى الأشياء ..
وثانيهما : أنهم لو أرادوا أن يقيموا الصورة كلها على وضع سليم ، لكان عليهم أن يغيّروا بأيديهم هذا الوضع الذي أخذه المقطع الثاني من الصورة ، وأن يجعلوه موافقا للوضع الأول ، فيقدموا الحرور على الظل ، والأموات على الأحياء ، وبهذا يكون الحكم على المطلوب صادرا منهم ، فتجىء الصورة العامة هكذا :
«وما يستوى الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الحرور ولا الظل ولا الأموات ولا الأحياء» .. إنها عملية تدعو إلى تحريك العقل ، وإلى أن يعمل عملا جادّا على تسوية هذه المتناقضات .. فإذا اتجهت عقولهم إلى هذا الاتجاه ، كان من طبيعة الأمور ألّا ترصى عقولهم بهذه المتناقضات ، التي تقوم فى كيانهم ، حيث يؤثرون الضلال على الهدى ، والكفر على الإيمان .. وهكذا تجىء آيات الله ، بهذه الإيحاءات النفسية ، التي تدخل العقل فى رفق ولطف ، إلى مواطن الهدى ، ومواقع الخير ..
ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) .. إشارة إلى أن الناس فريقان :
فريق يسمع آيات الله ويستجيب لها ، وفريق لا يسمع ولا يستجيب ..