والآية الكريمة ، تكشف عن أسلوب الدعوة الإسلامية ، القائم على مواجهة العقل ، ودعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإعطائه حقه فى طلب الدليل المقنع ، والبرهان الواضح ، ثم الاعتراف له بما يقضى به ، بعد النظر السليم ، المجرد من الهوى ، المبرأ من التحدي والعناد ..! فهذه هى رسالة الإسلام فى الإنسانية .. إنها تريد أولا وقبل كل شىء ، أن تحرر العقل من العادات الفاسدة ، والمعتقدات الباطلة ، التي استولت عليه ، وشلّت إرادة التفكير فيه ..
فإذا تحرر العقل من هذه الآفات ، وتخلص من تلك القيود ، فقد كسب نصف المعركة فى صراعه مع الباطل ، ثم كان عليه بعد هذا أن يكسب النصف الآخر ، حتى يتلخص من الضلال ، ويخرج من عالم الظلام إلى عالم الهدى والنور .. وهو أن يدير عقله على هذا الوجود ، وأن ينظر فيه بعقله المتحرر هذا .. فإنه إن فعل ، فلابد أن يهتدى إلى الله ، ويتعرف إليه ، ويؤمن به ..
ـ فقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أي إنما أنصح لكم بنصيحة واحدة ، لا شىء غيرها .. إنها مجرد نصح ، لا إلزام فيه ، فإن قبلتم فذلك لكم ، وهو حظكم ، وإن لم تقبلوا فأنتم وشأنكم ..
ـ والعظة الواحدة ، هى : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا).
والقيام لله ، هو القصد ، والتوجه إليه ، وذلك بطلب البحث عنه بحثا جادّا .. فإن الإنسان الذي يريد أن يتخذ له معبودا يعبده ، يجب أن يتعرف إليه ، وأن يتحقق من آثاره وأفعاله ، وما له من سلطان فى هذا الوجود .. ثم لا يقبل المعبود حتى يراه المالك لكل شىء ، المنصرف فى كل شىء ،
والقيام لله مثنى وفرادى ، هو أن يكون التفكير فى الله ، حديثا إلى النفس أولا ، بما يقع فيها من خواطر عن الله .. ثم مراجعة هذه الخواطر مع شخص آخر ، يراه الإنسان صاحب نظر ورأى ، حتى يستقيم له من تلك