أما كثرة المال والأولاد ، وفتنتهم بهما ، وظنهم أنهم فى عصمة بما فى أيديهم من أموال وأولاد ، من أىّ بلاء فى الدنيا ، أو عذاب فى الآخرة ، حتى لقد قالوا : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ـ أما هذه الكثرة فى الأموال والأولاد ، فهى شىء قليل لا يكاد يذكر إلى جانب ما كان لغيرهم من الأمم السابقة من وفرة فى المال وكثرة فى الرجال ، ومع هذا فلم يغن عنهم ذلك من الله شيئا ، بل إنهم حين كفروا بالله ، وكذبوا رسله ، أخذهم الله بذنوبهم ، وأرسل عليهم الصواعق والمهلكات ، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم .. فأين هم من قوم عاد ، وقوم ثمود وما كان لهم من قوة وبأس ، وجاه وسلطان؟ وأين هم من فرعون ، وما ملك من بلاد وعباد؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى الآية التالية ، متوعدا هؤلاء المشركين ومهددا لهم بالعذاب الأليم ..
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ).
أي لقد كذب الذين من قبل هؤلاء المشركين ، كفرعون ، وعاد ، وثمود ـ كذبوا رسل الله ، وكانوا على جانب عظيم من الغنى والسلطان ، حتى أن هؤلاء المشركين المفتونين بما أوتوا ، لم يكن لهم معشار ـ أي عشر ـ ما لهؤلاء الذين سبقوهم .. وقد أهلكهم الله بذنوبهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا .. فهل تغنى هذه الأموال والأولاد ـ وهى قليلة ، وإن حسبوها كثيرة ـ هل تغنى عنهم من عذاب الله من شىء؟ وهل ترد عنهم بأس الله إذا جاءهم؟ لو كان ذلك لهم ، لكان غيرهم ، ممن هم أكثر أموالا وأولادا ، أولى! ..
والنكير : الإنكار للأمر .. وإنكار الله للمنكر ، يستتبع عقابه وعذابه لمن وقع منه المنكر ..