واستعلاء ، وكانوا أشبه بفرعون حين قال : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) .. إنه يحارب بهذا البناء ربّ الأرباب ، وهذا هو الذي جعل بناءه وبالا ونكالا عليه ، ولو النمس من هذا البناء أن يرصد الكواكب والنجوم ، مثلا أو أن يتخذه مسكنا له يشهد منه عظمة الله ، ويرى منه فضل الله عليه ـ لكان ذلك عملا مبرورا مباركا .. وهؤلاء القوم ، لو كان مقصدهم من الضرب فى وجه الأرض ، السعى فى طلب الرزق ، وإقامة حياة قائمة على العدل والإحسان ، لبارك الله عليهم سعيهم ، ولحمد مسيرتهم .. ولكنهم كانوا يركبون شيطانا مريدا ، يدفع بهم دفعا إلى الكفر بالله ، وإلى السعى فى الأرض فسادا.
وليس بالذي يشفع لهم ، هذا القول الذي استفتحوا به ما طلبوا ، حين قالوا «ربنا» فهذا قولهم بألسنتهم ، ولو كان لهذا القول مكان فى قلوبهم لكانوا مؤمنين بالله حقا ، ولما كان منهم هذا الفساد ، وهذا الضلال الذي هم فيه. ولقد قالها إبليس من قبلهم ، وهو فى موقف التحدّى لله ، والإصرار على الإثم العظيم ، فقال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فيهم : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
فلقد انقادوا لإبليس ، وأسلموا زمامهم له ، وصدّق عليهم ظنه الذي ظنه فى أبناء آدم ، حين قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣٩ ـ ٤٠ : الحجر) .. فلقد استجاب هؤلاء المغوون لإبليس ، وصدّفوا ظنه فيهم .. إلا فريقا قليلا من المؤمنين منهم ، الذين ثبتوا على إيمانهم ، ولم يجد إبليس سبيلا يدخل على إيمانهم منه ، بالغواية والإضلال ..