ولا بد أن يكون الأمر هنا منظورا فيه إلى بعض المهاجرات من أقارب النبىّ ، ممن تستدعى حالهن البر والمواساة ، فى تلك الغربة ..
ورابعا : جاء بعد ذلك قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) مبيحا للنبىّ التزوج من صنف رابع من النساء ، على أسلوب لا يحلّ لغيره من المسلمين ، وهو أن تهب المرأة ـ غير المتزوجة ـ نفسها للنبى ..
وفي قوله تعالى : (مُؤْمِنَةً) إشارة إلى أن هذه الهبة إنما أرادت بها المرأة المؤمنة التقرب إلى الله ، والاستظلال بظل رسول الله ، والظفر بالقرب منه ، والفوز بلقب أم المؤمنين .. أما غير المؤمنة من الكتابيات فإنها لا تهب نفسها للنبىّ إلا طلبا لمرضاة نفسها ، بأن تكون زوجا لهذا الإنسان العظيم ، الذي له هذا السلطان لروحى الذي لا حدود له على المسلمين ، ولو أنها كانت تحبّ النبىّ حقّا لآمنت به ، ولدخلت في دين الله ..
وفي قوله تعالى : (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) تعليق للزواج على رضا النبىّ ، وقبول الهبة ممن وهبت نفسها له ..
وقوله تعالى : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي فاتخذها زوجا لك ، على أن يكون ذلك حكما خالصا لك من دون المؤمنين ، لا يشاركك فيه أحد ..
وفي العدول عن الخطاب إلى الغيبة ، وفي إظهار النبىّ ، بدلا من الضمير فى قوله تعالى : (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) تعظيم لشأن النبىّ ، بذكر اسمه ، ثم بتكرار هذا الذكر .. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن في ذكر النبىّ بصفته وهى النبوّة إشارة إلى أن هذا الحكم إنما هو خاص بمن كان في هذا المقام ، مقام النبوّة ، لا أي مقام آخر غير هذا المقام.