اللام في قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) هى لام العاقبة لقوله تعالى: (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) .. أي أنهم فعلوا ذلك ليجزيهم الله بصدقهم في إيمانهم ، وبوفائهم بعهودهم .. وقد أقيم الظاهر مقام المضمر فجاء النظم القرآنى (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) بدلا من : «ليجزيهم الله بصدقهم ،» وذلك للتنويه بهم ، ولإلباسهم هذه الصفة التي حققوها في أنفسهم وهى الصدق ، فكانوا الصادقين حقا .. ولم يذكر القرآن ما يجزيهم الله به ، إشارة إلى أنه جزاء معروف ، وهو الإحسان .. فما يجزى المحسنون إلا إحسانا ، كما يقول سبحانه : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ..) فهو جزاء لا يحتاج إلى بيان.
وقوله تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ .. إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) .. هو الجزاء الذي يلقاه أولئك الذين بدّلوا موقفهم من الإسلام ، وهم المنافقون ، الذين انحرفوا عن الطريق الذي كانوا عليه ..
فالمؤمنون الذين لم يبدّلوا موقفهم ، ولم يحيدوا عن طريقهم الذي استقاموا عليه ـ هؤلاء لهم من جزاء إيمانهم وإحسانهم ، ما هم أهل له ، من الإحسان والرضوان .. والذين بدّلوا ، ونافقوا ، ولم يصدقوا في إيمانهم بالله ـ هؤلاء إما أن يعذّبهم الله ، إذا هم مضوا على نفاقهم ، ولم تدركهم رحمة الله ، فتخرجهم من هذا النفاق ، وتعيدهم إلى الإيمان ، وإما أن تنالهم رحمة الله ، فيتوبوا من قريب ، ويدخلوا في المؤمنين الصادقين ..
وفي قيد العذاب بالمشيئة الإلهية ، إشارة إلى أن مشيئة الله في هؤلاء المنافقين الذين كتب عليهم الشقاء والعذاب ، هى التي أمسكت بهم على طريق النفاق ، وخلّت بينهم وبين ما في قلوبهم من مرض ، وأن رحمة