ولهذا فهو يسأل عمن أوفى به ، ومن نكث ، كما يسأل الرسل عمن آمن بهم ومن كفر ، كما يقول الله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) (١٠٩ : المائدة) .. وفي هذا تعظيم لعهد الله ، وما ينبغى أن يكون له في الناس من إكبار وإجلال.
قوله تعالى :
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
هو قطع لتلك الآمال الكاذبة التي يعيش فيها أولئك الذين فروا من ميدان القتال ، ظانّين أن ذلك يحفظ عليهم حياتهم ، ويرد غائلة الموت عنهم .. وهم في هذا مخدوعون ، قد غطّى على أبصارهم حبّ الحياة ، حتى لقد أنساهم ذلك ، تلك الحقيقة الماثلة أمامهم ، وأنهم مقضى عليهم بالموت المحكوم به على كل حى ..
فهذا الفرار من الموت ـ على أي صورة من صوره ، حتفا ، أو قتلا ـ إلى أين ينتهى بهم الطريق الذي يركبونه فارين منه؟ إنه منته بهم إلى الموت حتما .. إن لم يكن اليوم فغدا ، أو بعد غد .. إنه آت لا شك فيه ، طال الطريق أم قصر .. والله سبحانه وتعالى يقول : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) (٨ : الجمعة) ويقول سبحانه : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٧٨ : النساء).
وفي قوله تعالى : (مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) بيان للصورة التي يقع عليها الموت ، وهو إما أن يكون موتا طبيعيا ، أو في حدث من الأحداث ، كالحرب وغيرها ..