لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) أي ماذا تنتظرون؟ وما متعلقكم بهذه الأمانى الباطلة؟ إنكم مخدوعون .. فما مقامكم فيما أنتم فيه؟ ارجعوا إلى دياركم وأهليكم ، حيث الأمن والسلامة ، وحيث الراحة من هذا العبث الذي لا شىء وراءه ..
وفي مناداتهم بيا أهل يثرب ، دعوة إلى ردّة ، يريدون بها دفع هذه المشاعر الجديدة التي عاش بها المسلمون في مجتمعهم الجديد ، حيث اتخذت المدينة في ظل الإسلام اسما جديدا ، هو المدينة ، بدلا من اسمها «يثرب» الذي عاشت فيه مع الكفر والشرك! إنهم يريدون بهذا النداء ، أن يجلو عن المشاعر هذا الاسم الكريم ، كما أرادوا أن يجلو عنها الدين الحنيف!
قوله تعالى : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) .. معطوف على محذوف ، هو استجابة لهذه الدعوة التي دعا بها بعض المنافقين ومن في قلوبهم مرض ، واستجاب لها بعض المنافقين ومن في قلوبهم مرض .. ودعوتهم هى : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) .. واستجابة المستجيبين لهذه الدعوة كانت على أسلوبين : أسلوب الرجوع بغير استئذان من النبي ، وأسلوب الرجوع بعد الإذن منه .. أي أن هؤلاء الذين استجابوا لتلك الدعوة من المنافقين ومن في قلوبهم مرض كانوا فريقين : أحدهما استجاب للدعوة فورا ، فلم يلتفت إلى شىء ، ولم يراجع نفسه ، أو يرجع إلى النبىّ .. والآخر ، أراد أن يدارى نفاقه ويستر ضعف إيمانه ، بهذا العذر الذي يعتذر به للنبى ، وهو أن بيته مهدد بمن يعتدى عليه ، ويهتك ستره .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى حكاية لقولهم : (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي معرضة للعدوان عليها من المشركين أو غيرهم ..
وفي قوله تعالى : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) تكذيب لهذه القولة الفاجرة .. إن بيوتهم ليست عورة ، بل هى في حمى المسلمين جميعا ، وما يجرى على بيوت المسلمين يجرى على بيوتهم .. فلو دخل المشركون المدينة ، لما استباحوا