وفي قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) .. وفي التعبير عن هذا الحدث يفعل المستقبل ، دون الفعل الماضي ، الذي جاء تعبيرا عن الحدثين : (زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ـ فى هذا ما يشير إلى أن زيغان الأبصار ، واضطراب القلوب ، إنما هما حال لبست المسلمين مرة واحدة ، عند استقبالهم لهذا المكروه .. أما الظن بالله ، فهو أحوال متجددة ، تعاود المسلمين حالا بعد حال .. حيث يترددون بين الرجاء واليأس ، وبين اليقين والشك ، حسب الأحوال النفسية ، أو المادية ، التي تعرض لهم!.
وفي جمع «الظنون» ـ إشارة إلى أنها ظنون كثيرة مختلفة ، تعاود الشخص الواحد ، كما أنها تختلف من شخص إلى شخص .. فهناك من المؤمنين من هم على يقين من أمر ربهم ، فلا يظنون إلا خيرا ، وأن الله منجز لهم ما وعدهم في عدوهم .. إن لم يكن في هذه المعركة ففى معارك أخرى قادمة ، إن لم يشهدوها هم ، فسيشهدها من بعدهم من إخوانهم .. وهناك من المؤمنين من لم يعصمهم إيمانهم من ظنون السوء ، فظنوا بالله غير الحق ، ظن الجاهلية ..
قوله تعالى :
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً).
الإشارة هنا إلى هذا الموقف الذي واجه فيه المؤمنين الأحزاب .. ففى هذا الموقف ابتلى المؤمنون ، وامتحنوا ، فى إيمانهم بالله .. وكان الابتلاء شديدا ، والامتحان قاسيا ، لا يصبر عليه ، ولا يخلص منه ، ناجيا بدينه ، سليما في معتقده ، معافى في إيمانه ، إلّا من اطمأن قلبه بالإيمان ، وعرف ما لله في عباده من ابتلاء ، (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (٣٧ : الأنفال).
وقوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) بيان لما في هذا الابتلاء من شدة ،