وقدم علم الغيب على الشهادة ، للإشارة إلى أن علم الله علم مطلق ، لا تحدّه حدود ، فيستوى لديه القريب والبعيد ، والظاهر والخفىّ ، إذ لا قرب وبعد ، ولا خفاء وظهور .. لأن ذلك إنما يكون بالإضافة إلى العلم القاصر المحدود ، الذي يتناول شيئا ويقصر عن شىء .. أما العلم الكامل المطلق ، فحقائق الأشياء كلها واقعة في دائرة هذا العلم كحقيقة واحدة!.
وفي وصف الله سبحانه بالعزة والرحمة ، إشارة إلى أن عزته سبحانه وتعالى ، عزة رحمة وإحسان ، وليست عزة تسلط وقهر ، فإن من شأن العزة القهر والجبروت ، وفي المثل : «من عزّ بزّ» .. وتعالت عزة العزيز الحكيم عن ذلك علوا كبيرا ..
قوله تعالى :
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ).
أي أن من عزة الله ورحمته قيام هذا الوجود على أحسن نظام ، وأكمله .. والمراد بالحسن هنا ليس مجرد حسن السورة ، وإنما هو الحسن الذي يتجلى فى إحكام الصنعة ، ودقة التنسيق ، وروعة التأليف ، وتجاوب النغم ، ووحدة الغاية ، وإن اختلفت الاتجاهات ، وتعددت الأنغام .. (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) .. فدبيب النملة على مسارها ، وجريان الشمس في فلكها ، وتدفق النهر في مجراه ، وحفيف الأوراق على أشجارها ، وكل همسة ، وكل حركة في هذا الوجود ، فى أرضه وسماواته ، تؤلّف جميعها لحنا علوىّ النعم ، يروع القلب جلاله ، ويأسر الفؤاد حسنه وجماله .. سواء أنظر الإنسان إليها في اجتماعها أو افتراقها ، وسواء استعرضها على تفصيلها أو إحمالها.
ـ وفي قوله تعالى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) إلفات إلى وحدة من وحدات هذا الخلق ، وإشارة إلى مواطن هذا الحسن منه ، وهو خلق الإنسان من طين ...