فى خفة ويسر .. ثم يجتمع هذا السحاب بعضه إلى بعض ، فيتكاثف شيئا فشيئا ، ثم يتدافع هذا السحاب ، ويدخل بعضه فى بعض ، فإذا هو ركام ، أشبه بالآكام ، أو الجبال ..
ـ وفى قوله تعالى : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ..) إلفات إلى مولد المطر من هذا السحاب ، وتحلبه من خلاله ، كما يتحلّب اللبن من الضرع ..
وليس يدرك سر هذه اللفتة إلى قطرات الماء ، وهى تتساقط من السحاب ، إلّا من عاش فى الصحراء ، وشهد آثار الماء حين ينزل إلى الأرض ، ويبعث الحياة والحركة فى جمادها ونباتها ، وحيوانها .. إنها عملية خلق ، وبعث جديدين ، لهذا الجسد الكبير الهامد .. ثم هو بعد ذلك عرس رائع ، تحتشد له الأحياء ، وتنطلق من كيانها نشوات البهجة والحبور ، فى أهازيج ، وأناشيد ، وزغاريد : يتألف منها لحن عبقرىّ بالتسبيح والحمد لله رب العالمين ..
انظر إلى هذا الوصف الرائع ، الذي صوّر به «امرؤ القيس» احتشاد الطبيعة ، ونشوتها غبّ مطر .. فيقول امرؤ القيس ، فى معلقته المشهورة :
أصاح ترى برقا أريك وميضه |
|
كلمع اليدين فى حبىّ مكلّل |
يضىء سناه .. أو مصابيح راهب |
|
أمال السليط بالذّبال المفتّل (١) |
قعدت له وصحبتى بين ضارج |
|
وبين العذيب بعد ما متأمّلى (٢) |
كأنّ مكاكىّ الجواء غديّة |
|
صبحن سلافا من رحيق مفلفل |
__________________
(١) السليط : الزيت الذي يوقد منه المصباح.
(٢) ضارج ، والعذيب : موضعان.