وإنّا لنجد مصداق هذا ، فى هذا المجتمع الإسلامى الأول الذي أقامه الرسول الكريم ، واستنبته من جدب الصحراء وقفرها ، وأطلعه من غياهب ظلامها ، وضلالها .. وذلك بما حمل إلى الناس من كلمات الله ، وبما أراهم من آثار كلمات الله فيه ، وتربيته له سبحانه وتعالى على منهجها ، فكان إنسانا يقرأ الناس فى سيرته ـ قولا وعملا ـ منطوق كلمات الله ومفهومها ، كما تحدّث السيدة عائشة رضى الله عنها ، فتصف خلقه عليه الصلاة والسلام بقولها : «كان خلقه القرآن».
فما أعظمه من إنسان! وما أكرمه من رسول! وما أعلى مقامه فى العالمين!
وأحبّ هنا أن أقف وقفة قصيرة مع تلك المقولة التي تقال وتذاع بين المسلمين ، فيما يعرف عند أصحابها «بالحقيقة المحمدية».
فالذين يستمعون من المسلمين إلى هذا العنوان : «الحقيقة المحمدية» وما يجىء وراء هذا العنوان من حديث عن هذه الحقيقة ، قد يجدون فى صدورهم حرجا من أن يدفعوا عن هذه الحقيقة تلك الدعاوى التي يدّعيها عليها القائلون بها ، والتي يصوّرون فيها النبىّ الكريم هذا التصوير العجيب ، الذي يقطعه عن العالم البشرى ، بما يضيفون إليه من صفات وأعمال ، لا تقتضيها طبيعة البشر ، ولا تثقل بها موازينه فى المصطفين من عباد الله.!
إنها مقولات كثيرة مغرقة فى الخيال ، تضفى على ذات النبىّ أثوابا فضفاضة ـ بل مهلهلة ـ من نسيج الوهم ، ومن واردات الخرافة ، يحسب بها أصحابها ـ عن إيمان ، أو عن كيد ـ أنّهم إنما يمجّدون النبىّ ، ويفردونه وحده بتلك المنزلة التي تتقطع دونها الأوهام والظنون!
ومن هنا ، كان خطر هذه المقولات وأثرها داهما مزلزلا ، فى المجتمع الإسلامى ،