إن الرضا بالواقع الكريه البغيض ، ليس فى الإسلام ، ولا من الإسلام .. لأن ذلك معناه إهدار لعقل الإنسان أن يفكر ، وتعطيل لإرادته أن تعمل ووقوف بالحياة أن تتحرك ، بل وتمكين للشر أن يستشرى ، واعتراف للباطل أن يقيم حيث شاء .. آمنا مطمئنا ، لا يلقاه أحد بإنكار ، ولا يزعجه منكر بسوء! ..
وكلّا .. فإن هذا غير سبيل الأحياء فى الحياة ، كما هو غير سبيل الدّين والمتدينين ..
وتاريخ الإسلام ، يحكى فصولا طويلة ، مثّل فيها هذا الدور الغبىّ الدخيل على الإسلام ، فقتل فى الناس الهمم الصادقة ، وأطفأ من صدورهم وقدة العزمات المتوثبة لملاقاة البغي وردع الباغين .. وذلك حين قام فى الناس من يدعونهم إلى الاستسلام للقدر ، والرضا بالمقدور .. وتلك كلمة حق أريد بها باطل .. إذ كانت أشبه بمخدّر ثقيل ، أمات فى الناس مشاعر الإحساس بكل ظلم ، فاستساغوا طعمه ، واستناموا فى ظلّه ، يجترّون كل ما يلقى إليهم من عسف ، وما يساق إليهم من بلاء .. وإنه لو لا هذا ما استطال حكم أمراء السوء ، ولا امتدّ سلطان الملوك والسلاطين الباغين المفسدين ، دون أن يلقاهم أحد بنكير ، أو يؤاخذهم مؤاخذ بما اقترفوا من مظالم ، وما ارتكبوا من آثام ..
إن مهمّة الرسل ، والمصلحين فى الناس ، إنما هى فى صميمها ثورة على أوضاع قائمة جائرة ، وحرب على مظالم صارخة ، هى فى نظر الحق والعدل منكرات يجب أن تزول ، وهى عند البغاة والمتسلطين حق مشروع ، ثم هى عند أدعياء الإيمان قدر مقدور!
* * *
ولا نريد أن ندع هذا البحث فى «القضاء والقدر» قبل أن نذكر رأيا