صبر أصحابها ، واستخراج ما عندهم من حكمة وعقل ، فى مواجهة هذا التصرف الشاذ .. وإذا قيل إن قتل الغلام كان عن خطأ غير مقصود ، أو كان عن فراسة تفرسها فيه العبد الصالح ، فرأى فيه ـ وهو غلام ـ الرجل الذي سيكونه. حين يبلغ مبلغ الرجال ، ويملأ الدنيا بغيا وعدوانا ومحادّة لله ، وكفرا به .. فأخذه بجزاء الذين يحاربون الله ، ويسعون فى الأرض فسادا ..
نقول إذا أمكن أن يقال هذا أو ذاك ، أو غير هذا أو ذاك ، فى خرق السفينة ، وفى قتل الغلام ـ فأى قول يمكن أن يقال فى شأن هذا الجدار المتداعى ، الذي ينقضه العبد الصالح ثم يعيد بناءه؟
إن الذي كان من الممكن أن يكون من العبد الصالح إزاء أي شىء يراه فاسدا فى أهل هذه القرية ، التي استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ـ هو أن يدع هذا الفساد على حاله ، يعيش فى أهل هذه القرية الظالمة ، أو يغريه بهم ، ويهيجه عليهم ، فيكون العقاب الذي يؤخذون به مسلطا عليهم من قريتهم .. فإذا جاوز الأمر هذا ، وأخذ العبد الصالح أهل القرية بالصفح والمغفرة ، ثم جاوز هذا أيضا إلى أن يدفع شرا يأتيهم من قبل هذا الجدار المتداعى ـ فليكن ذلك بهدمه ، حتى لا يسقط على من يجلس إليه ، أو يمر به! أما أن ينقض هذا الجدار ، ثم يقيمه .. فذلك مالا يحتمله أي وارد من واردات الظن ، أو الوهم! خاصة ، وأن الفعلتين السابقتين كانتا من العبد الصالح ، قد وقعتا ـ فيما يبدو ـ عدوانا منه بغير حق ، وإساءة إلى من لم يقع منه سوء .. ، وكان الظن بالفعلة التي تأتى بعدهما أن تجرى فى هذا الاتجاه ، وأن يرمى أهل القرية بصواعق مهلكة أو يتركوا وما هم فيه .. أما أن تقابل إساءتهم بهذا الإحسان ، فذلك تيار مضادّ للتيار الذي كانت تجرى فيه سفينة موسى وصاحبه ، ومن شأن هذا أن يحدث دوامة تضطرب فيها السفينة اضطرابا مجنونا ، ثم لا تلبث أن تهوى إلى القاع!!