تأذّى به المجتمع الذي يعيش فيه ، فإن ما ينضح منه من الأذى النفسىّ على أبويه المؤمنين ، هو أضعاف مضاعفة لما يجده غيرهما من شروره وآثامه ، إذ كان هو غرسهما الذي غرساه ، وكان الشرّ الواقع على المجتمع منه ، هما ـ لسبب أو لآخر ـ شركاء فيه ..
فالخشية التي يصورها العبد الصالح هنا ، هى خشيته على هذين الأبوين الصالحين المؤمنين ، وما يدخل على قلبيهما من حسرة وكمد على مصابهما فى ابنهما هذا ، ثم فى مصاب الناس به .. وإذا كان ذلك لم يقع بعد ، فهو مما يخشى أن يقع لو ترك الغلام يأخذ مسيرته فى الحياة .. والخشية لا تكون إلا مما لم يقع ، لا مما وقع ..
وثانيهما : أن هذا الغلام ، هو بلاء على نفسه ، وأنه نبتة سوء ، لو تركت حتى تبلغ مداها ، لأوردت صاحبها موارد الهالكين .. فكان موته فى هذه المرحلة من عمره رحمة به ، إذ عاجله الموت قبل أن يبلغ مبلغ التكليف ، وقبل أن يأتى ما كان يمكن أن يأتى به من آثام .. فالخشية هنا ، خشية منه ، كما أنها خشية عليه ..
أما عزاء هذين الأبوين الصالحين المؤمنين عن فقد هذا الغلام ، فهو ما كشف عنه العبد الصالح فى قوله :
* (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) ..
والزكاة : الطهر ، والنقاء ، والصلاح والتقوى ..
والرّحم : الرحمة التي تكون بين المتراحمين ، من أبناء وآباء ، وإخوة وأصدقاء ..
فهذا الولد الذي سيرزقه هذان الأبوان خلفا لابنهما القتيل ، سيكون لهما